لماذا نحتاج لخلق معنى للحياة؟

لماذا نحتاج لخلق معنى للحياة؟
 لماذا نصنع عادة معنى للأحداث التي ليس لها معنى متأصل؟ وكيف تُخلَق عملية صنع المعنى التلقائية واللاواعية مشاكل لنا؟ لماذا نحتاج لخلق معنى؟

كإنسان، بقاؤك مشروط –إنه غير مضمون. بمعنى آخر، هناك بعض الأشياء التي تساعد على تأمين بقائك وبعض الأشياء التي تهدد بقاءك. كطفل صغير جدًّا، فإن وجود والدين محبَّيْن ومهتمين يجعلنا نشعر بأن بقاءنا في أمان، وإن وجود آباء لا يحبوننا أو لا يهتمون بنا (أو الذين نشعر أنهم لا يحبوننا أو لا يهتمون بنا) يجعلنا نشعر بأن بقاءنا مهدد.

أيضًا كشخص بالغ يُصادف شخصًا ما في شارع مظلم، ويضع بندقية في وجهك ويطلب أموالك ويجعلك تشعر كما لو أن بقاءك مهدد، يبدو أن البشر يمتلكون آلية “صُنع المعنى” المتشددة التي تحكم على كل شيء تقريبًا: تساعد على بقائي أو معادية لبقائي –بالنسبة لي أو ضدي.

واحدة من الكلمات الأولى التي يتعلمها الأطفال، ثم يكررونها باستمرار، هي “لماذا؟” نحن بحاجة إلى فهم ما يحدث، ولماذا؟ حتى نتمكن من الحكم بشكل أفضل على التأثير الذي قد يكون له على حياتنا.

تقودنا الحاجة إلى اكتشاف التأثير المحتمل لحدث ما، للبحث عن المعنى في الأحداث التي ليس لها معنى متأصل، ولا يوجد حدث له معنى متأصل لأن أيّ حدث يمكن أن يكون له العديد من المعاني ولا يمكنك رسم أي الاستنتاجات، بالتأكيد، من أيّ حدث.

المعنى موجود فقط في العقل، وليس في العالم

على سبيل المثال، إذا غضب الآباء عندما لا يلبي أطفالهم توقعاتهم، فسيعطي معظم الأطفال مثل هذا السلوك، المعنى أنهم ليسوا جيدين بما فيه الكفاية.

وفي الواقع، فإن حقيقة أن الآباء غاضبون من أطفالهم ليست مؤكدة بهذا الشأن تمامًا. ونتيجة لذلك، لا يمكنك معرفة أي شيء مؤكد عن أحقية غضب الآباء من أطفالهم، وبعبارة أخرى، فإن الأحداث التي تنطوي على الآباء والأطفال ليس لها معنى متأصلًا.

نحن نخلق نوعين مختلفين من المعنى

هناك نوعان أساسيان من المعنى الذي نعطيه للأحداث:

النوع الأول هو المعنى الذي نعطيه لنمط من الأحداث، مثل انشغال الأم والأب كثيرًا من الوقت (مما يؤدي إلى: لست مهمًا)، أو الأم والأب يتجادلان كثيرًا وينفصلان (مما يؤدي إلى: جمود العلاقات). هذه المعاني تصبح معتقدات، وهي عبارات معممة عن أنفسنا، والناس، والحياة، وأن الحياة تبقى معنا إلى الأبد إلا إذا وجدنا طريقة ما للقضاء على هذا الاعتقاد، وغالبًا ما تكون مثل هذه المعتقدات اختلافات من “أنا … أو” الناس … أو “الحياة..”، المعتقدات هي بيانات عن الواقع التي نشعر أنها “الحقيقة”، وبالتالي تُحدد سلوكنا.

النوع الثاني هو المعنى الذي نعطيه لأحداث معينة، سواء الخارجية (الأحداث في العالم) أو الداخلية (مثل الأفكار والمشاعر والذكريات والأحاسيس الجسدية، وما إلى ذلك). تستمر هذه المعاني فقط طالما استمر تركيزنا على الحدث. مثل المعتقدات، يتم إنشاء هذه المعاني دون وعي وبتلقائية، وهو المعنى الذي نعطيه لهذا النوع من الأحداث يحدد كيف “يحدث” لنا.

معظمنا لا يميز الوقت أبدًا بين الأحداث الفعلية، وكيف تحدث لنا الأحداث

نعتقد أن تعاملنا مع “الأحداث” كما لو كانت الحقيقة الفعلية، بمعنى آخر، إذا دخل صديق إلى غرفة ولم يتحدث إلينا، وتعاملنا مع هذا الحدث على أنه: صديقي لا يحبني، يبدو لنا كما لو أن الحقيقة هي أن صديقي لا يحبني. عند هذه النقطة نتعامل مع هذا الشخص كما لو أنه لا يحبني حقًّا، في حين أن كل ما نعرفه على وجه اليقين هو أنه عندما دخل الغرفة لم يتحدث إلينا. بعبارة أخرى، لأننا عادة لا نميز بين الحدث والمعنى الذي نعطيه للحدث، فإننا نتعامل مع المعنى كما لو كان ما حدث بالفعل.

في نهاية المطاف، يتم استبدال كلا النوعين من المعاني (المعتقدات وأحداثنا) بالواقع في أذهاننا، ولا نتعامل مع ما هو حقًّا. وبعبارة أخرى، نعتقد أن معتقداتنا وأحداثنا هي “الحقيقة”.

التخلص من هذه المعاني

عندما تقضي على هذه المعتقدات، تُخلق إمكانيات جديدة في حياتك، لأن “واقعك” قد تغير، واختفت المرشحات التي ترى من خلالها الحقيقة، ويتم القضاء نهائيًّا على عوائق العمل، مثل التسويف والقلق. عندما تقوم بحل المعنى /الحدث، فأنت أكثر قدرة على التعامل مع الموقف (إذا كان بحاجة إلى التعامل معه) لأنك واضح في الفرق بين الحدث الذي سيتم التعامل معه والمعنى الموجود فقط في مخيلتك.

حتى تتمكن من رؤية المزيد من الاحتمالات لحل المشكلة. علاوة على ذلك، لأن الأحداث التي لا معنى لها لا يمكن أن تسبب المشاعر، فإن معظم عواطفنا السلبية، مثل القلق والغضب، تأتي من المعنى الذي تعطيه للأحداث من خلال حلّ المعنى، وتقوم في نفس الوقت بحل المشاعر السلبية.

حلّ المعتقدات والأحداث من خلال التمييز

نعتقد أن معتقداتنا والمعنى الذي نعطيه الأحداث لحظةً بلحظةً صحيحًا بسبب التمييز الذي فشلنا في تحقيقه في وقت سابق، أيْ بين الحدث (الأحداث) والمعنى الذي نسنده للحدث. لذلك، فإن طريقة إزالة أو حلّ المعتقدات والمعاني الحالية هي التمييز الذي لم نقم به في وقت سابق، وعندما نكون قادرين على القيام بهذا التمييز، يختفي الإيمان والمعنى /الحدث الحالي.

وعندما يُخبرنا الناس أنهم يمكنهم القضاء على المعتقدات ويستجيب البعض، لكن لن يجبرني ذلك على القيام بأشياء قد تكون خطيرة، على سبيل المثال، إذا قمت بإزالة الاعتقاد بأن الحياة خطيرة، فلن يجعلني ذلك غافلًا عن بعض المخاطر الحقيقية. الجواب لا، فالقضاء على المعتقدات لا يجعلك تفعل أي شيء، إنه يوفر فقط إمكانيات جديدة، يمكنك من خلالها الاختيار بحرية.

سأل أحدهم: ألا يؤدي ذلك إلى أن يصبح الأشخاص معتلِّينَ اجتماعيًا؟ ما قصده هو: إذا لم يكن لديك مشاعر، ألن تتوقف عن الاهتمام بالآخرين؟ ألن تفقد حس الأخلاق؟ مرة أخرى الجواب لا. عدم إعطاء معنى تعسفي للأحداث اللحظية لا يؤثر على قيمك على الإطلاق، ولا يزال بإمكانك تقييم حياة الإنسان، ولديك رغبة في تخفيف معاناة الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، لا تحتاج إلى معنى لدفعك إلى اتخاذ إجراء إذا فقدت وظيفتك، فلن تحتاج إلى افتراض أن هذا يعني أنك لن تكون قادرًا على دفع فواتيرك، وأنك ستفقد منزلك، وأنك لن تحصل على وظيفة أخرى، وما إلى ذلك من أجل البدء في البحث عن وظيفة جديدة.

في الواقع، ستكون قادرًا بشكل أفضل على إنشاء إستراتيجيات للعثور على وظيفة جديدة إذا لم تكن غامرًا بالخوف الذي قد ينتج عن مثل هذه الأحداث.

كيف أقرر ماذا أفعل بدون أي معنى؟

ولكن إذا قامت الطبيعة ببناء آلية صنع المعنى فينا لأننا بحاجة إلى معرفة ما إذا كان ما نواجهه في الواقع يؤدي إلى بقائنا أو يهدده، فكيف سنتمكن من البقاء إذا توقفنا عن صنع المعنى؟ هناك فرق كبير بين وضع افتراضات معقولة نعلم أنها افتراضات وأننا نتحقق باستمرار من الدقة، ونعطي حدثًا دون علم ثم نفكر في أن الطريقة التي وقع بها هذا الحدث هو ما حدث بالفعل.

لا يمكننا أبدًا أن نكون أفضل حالًا بأن نكون عميانًا عما هو في الواقع، وقد يكون صنع المعنى التلقائي مفيدًا في عالم يكمن فيه خطر حقيقي تحت كل شجيرة.

في مثل هذا العالم، نحتاج إلى إعطاء معنى تلقائي للأحداث والاستجابة دون تفكير واعٍ، ومن الأفضل أن نكون آمنين من الأسف ونفترض أن الأسوأ ربما يُنقذ حياتنا في مرحلة ما، ولم نعد نعيش في عالم نحتاج فيه إلى معنى تلقائي لا واعي. في كل حالة تقريبًا لدينا الوقت الكافي للتفكير بعناية في الأحداث وتحديد معانيها المحتملة بوعي –كل ذلك مع إدراك أن معانينا التي تم إنشاؤها بوعي هي مؤقتة وتحتاج إلى التحقق من فائدتها من وقت لآخر.

في عالم اليوم الحديث، فإن التفكير في معتقداتك وأحداثك، لا يمكن أن يكون مفيدًا أبدًا، لذا تخلص من معتقداتك المقيدة وتعلم كيفية التوقف تلقائيُّا عن إعطاء معنى للأحداث الجارية، وسوف تُفاجأ بمدى سعادتك ونجاحك.

ما رأيك في حاجتنا البيولوجية لخلق معنى، وكيف أن عدم إعطاء معنى للأحداث يمكّننا من الحصول على حياة أفضل؟

| للكاتب
| رامي محمد فلمبان